محرك بحث المدونة

الثلاثاء

الموهبة والكون الداخلى

يجب التأكيد على أهمية الموهبة للأفراد والمجتمعات ، فالموهبة هى أحد أهم مكونات الأداء الإيجابى بحياة الأنسان والأداء الإيجابى هو أرقى من النجاح لأن الأداء الأيجابى هو مولد النجاح والسعادة .

هل ثمة أرتباط مابين الموهبة والألم أو المرض ؟
حتى تكون الإجابة على هذا التساؤل واضحة ، يجب أولا التعرف على مكان هام جدا فى المخ يعرف بأسم (المهاد التحتانى) أو مايُسمى "الهيبوثلاموس" وهو مركز الأفعال ، وهذا لأنه متصل بدائرة تشريحية فسيولوجية مهمة فى المخ تسمى الجهاز الطرفى ، وهذا الجهاز يقال أنه مايمثل النفس البشرية - كما يزعم بعض العلماء - أو هو مايمثل الجانب المادى فى النفس البشرية ، وليست النفس البشرية .
وحسب (علم الكون الداخلى) فهذا العلم يبدأ من التعاون الإبداعى أو التزاوج مابين النقيضين المادة الخالصة والطاقة الصافية (الجسد والروح)



 وإن بداخل كل مادية جانب لامادى أو طاقة ، وبداخل كل ماهو لامادى(طاقة) جانب مادى ، ويدرس الكون الداخلى وعلاقته بالكون الخارجى .     
و"الهيبوثلاموس" هو جهاز أرسال وأستقبال فهو يستقبل الشحنات الأنفعالية من النفس (الجهاز الطرفى) ثم يقوم بإرسالها إلى أجهزة الجسم المختلفة لتعبر عنها كلا بطريقته الخاصة ، وعملية الأرسال تلك تتم من خلال الجهاز العصبى اللاإرادى بشقية السيمبثاوى والجار سيمبثاوى .
فالأنفعال هو شعور داخلى (فرح - حزن - غضب - ألم – معاناة ....) يتم التعبير عنه من خلال حركات أو تغيرات مادية للمعدة أو الأمعاء أوالشرايين وحتى أجهزة المناعة .
ولكل إنسان درجة من الأحتمال أو حدود بعدها يحدث العطب أو الخلل فى عضو ما ، وهو العضو الذى يتحمل العبئ الأكبر أو هو العضو الأضعف والتى تجد النفس من خلاله متنفسا ، وكأنه صمام أمان يجب أن ينفتح حتى لاينفجر الأنسان بأكمله.



هذا مانعرفه جميعا ولكن ثمة إرسال فى الأتجاه العكسى . وهنا لنا وقفة قصيرة فمن قوانين "علم الكون الداخلى " قانون (التوازن الأتجاهى) وإذا ما وجود الشئ وجد مضاد الشئ ، فإذا كان هناك أرسال فى إتجاه لابد أن يكون هناك أرسال فى الأتجاه العكسى .



وأعنى بالإرسال فى الأتجاه العكسى أى من الألم الجسدى أو المرض أو حتى العجز إلى النفس ، والتى فى العادة تسير فى الأتجاه السلبى ( تتوجه صوب المشاعر أو الأفعال السلبية) ، ولكن ثمة ما يحولها إلى إتجاه إيجابى - حسب قانون (التوازن الأتجاهى) – أى نحو الموهبة أو الإبداع .
ويؤكد د. "فيليب ساندبلوم" مؤلف كتاب ( الإبداع والمرض )  creativity and disease فى طبعته الخامسة  سنة 1989 بدحض فكرة إمكان قيام الأبداع والموهبة على الخيال فقط .
فهو يؤكد على أهمية مكون الخبرة الكلية ، ويقول إن أهم خبرة من الخبرات المرتبطة بالموهبة والأبداع هى خبرة الألم والمرض .
ومن خلال الفحص العملى لحياة المبدعين والموهوبين ولأقوالهم أو أعمالهم لًحظ وجود علاقة قوية بين الألم والمرض وبين قوة وأزدهار موهبتهم أو كثرة أبدعاتهم فى تلك الفترات .
وقد أعتمدت المدرسة الرومانتيكية (الألمانية) المعاناة والألم جوهر للأبداع ومولدات للمواهب ، وقد عبر عن ذلك "جوته" فى روايته "فيلهلم مايستر" ، كما تحدث عن ذلك "فردريك شليجل" عن أحساساته عندما ظن أن به مرض عضال قاتل  ، قائلا (إن هذا الأحساس له طبيعة أعمق ، وأكثر إكتمالاً من أى أحساس أخر ، إن هذا الأمر يجعلنى كالشخص الذى يحلم وهو سائر على قدميه) ، أما الفيلسوف الشهير "نيتشه" فله تعبيرات مشهورة فى هذا السياق منها أنه قال (لم أشعر مطلقا بأننى أكثر سعادة وأبداع إلا فى فترات حياتى الأشد مرضا) وهذا ما سماه بقترات المرض العظيم ، كما رحب بالمعاناة كطاقة محركة للأبداع والموهبة. كما عبر "شوبنهور" عن القيمة الإيجابية للألم لأن الألم والمرض من وجهة نظره يقوم بتكثيف الأحاسيس ، بل يقول لإن الموهوب أو المبدع بحاجة للألم والمعاناة كما تحتاج السفينة للربان . وهو تقريبا نفس التعبير الذى عبر به الرسام "أدفارد دى مونشى" عن نفسه حين قال ( دون الألم والمعاناة ، سأصبح سفينة تتلاعب بها الرياح). كما لاحظ بعض الباحثين إن الموهبة والإبداع فيها هو نشاط متوحد يتم فى مناخ منعزل أو مناخ من العزلة .
وهذا ما أكده الشاعر الأنجليزى الشهير " لورد بيرون" والذى كان يعانى من تشوه أحدى قدمية بقوله ( إن إدمان الشعر كان نتاج لعقل غير مستريح فى جسد غير مريح) ، وهذا الروائى الأمانى المعروف "توماس مان" والذى أكد علاقة مابين المرض والموهبة على لسان أحدى شخصياته فى رواية (السمو الملكى) حيث قالت الشخصية وكان شاعلاا (أن صحتى ضعيفة ، وأنى مقتنع تماماً بأن موهبتى مرتبطة بشكل لاأنفصام له مع هذا العجز الجسدى) .
وكان "ماتييس" موظفا فى مكتب لأحد المحاميين ، ثم أُصيب بمرض فتغيرت حيلته تماماً ( كان هذا المرض ببساطة الزائدة الدودية) مع تزايد ألامه أضطر إلى المكوث بالبيت لمدة سنة تقريبا ، وفى محاولة منه على التغلب على الألم والملل بدأ يرسم بعض اللوحات ، ووجد نفسه يبتهج بما يراه أمامه من مناظر جميلة وخلابة . وكتب بعد ذلك لأحد أصدقائة يقول ( لقد تلبستنى روح الفن ولن أستطيع أن أمتنع عنها بعد الأن ) . فلو كان "ماتييس" يعيش فى زمننا الحاضر لكان من السهل جدا إجراء عملية بسيطة له ، ويعود للعمل خلال أسبوع على الأكثر (بإذن الله بالطبع) وقد يكون اقصى طموحه أن يكون محامياً بدلا من أن يسجل بالتاريخ رائداً للفن التشكيلى المعاصر .



فقد قام المرض (أوالعجز الجسدى) بتغيير إتجاهات "ماتييس" فحسب قوله لإنه خلال سنوات حياته – ماقبل المرض – كان غالبا مايحاول بقدر كبير من الجهد العظيم أن يجد لنفسه طريقا جديدا . أما بعد ذلك ، فقد كان يريد أن يستمتع بإرتياد تلك الطرق من خلال الضوء الداخلى ببساطة ودون مجهود كبير .
إن من يجد الموهبة ويبدع فيها يدمنها ويستمتع حقا بحياته فذلك "بيتهوفن" مؤلف السينفونيات الشهير ، لم يكن ليبدع سنفونيته السابعة والتى أجمع جميع الموسيقيين على أنها أروع ما ألف إلا بعدما أصيب بالصمم التام أواخر أيامه .
وأعطانا العجز الجسدى والألم مؤلفا موسيقيا أو مبدعا أخر وهو "روبرت شومان" عندما أنتهت حياته المهنية كعازف بيانو بسبب شلل أصاب بعض أصابعه فى وقت كان على وشك أن يرتقى إلى قمة البيانوست فى العالم وتحول إلى (الهوس) ولمحاولته التغلب على هذا المرض النفسى تحول إيجابيا إلى التأليف الموسيقى ، ويقال أن إبداعاته كانت تدفق بغزارة خلال حالات الهوس وهو يشبه جدا فى ذلك الرسام الشهير "فان جوخ".
كل ماسبق كان لتأكيد أن (الموهبة ) هى نتاج عدة قدرات مابين نفسية وعقلية







والإبداع بها هو تداخل لعنصر الروح أو الطاقة السامية الصافية من الماديات والتى يشوبها أو يشدها للأسفل المادية الجسدية فى كثير من الأحايين



وعندما يضعف ذلك الجذب أو الشد السلبى بمرض أو عجز أو عزلة فإن الإبداع الكامن خلف ستار المادية يبدأ فى السطوع ، وبذرة الموهبة المدفونة فى وحل الروتينية تزدهر وتُزهر .
ولكن هل لابد من المرض أو العجز (وجميعنا يستعيذ بالله منه) حتى تظهر مواهبنا الدفينة أم ثمة طريق أخر أو درب جانبى خفى ، هنا تأتى المعضلة والتى لم يجيب عنا علم النفس حتى الأن (وتبقى الإجابة فى علم الكون الداخلى) من خلال .....



ولن يُجيب لأنه يعتمد على عنصر واحد فقط من عناصر الذات الأنسانية وهى النفس ، بل ويعتمد على الماديات فقط خلال بحوثة والتى تتضارب وتتعارض كثيرا فى الأساسيات بل وفى التعاريف

 فلا يوجد تعريف واحد مُتفق عليه بين علماء النفس حيث يوجد أكثر من أربعين تعريف للشخصية وهذا مرجعه تعدد المدارس والنظريات ، هذا بخلاف تعريف الذكاء أو جدلية الوراثى والمكتسب .
كما إن الإنسان مكون من مادة وطاقة ومتعاونين تعاوناً إبداعياً بينهما مناطق تداخل والتى كونت عنصرى ... (النفس و العقل) .

ولذا تبقى الإجابة فى علم (الكون الداخلى) .
وللقاء فى الإجابة على التساؤل الثانى ...
 هل الإبداع شئ من الجنون؟
مع تحياتى

حسن صلاح حجازى المدرب الدولى للتنمية البشرية وأكتشاف المواهب والخبير التربوى مخترع العديد من الإبتكارات التربوية والمستشار التربوى بجمعية بنك الأفكار وللتواصل hassansalah73@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صاحب العقلية الكونية
حسن حجازى
hassansalah73@yahoo.com