{لو أننا قارنا ذاتنا كما هى ، وكما يجب أن تكون عليه
لوجدنا أننا أنصاف أحياء}
عالم النفس "وليم جيمس"
عالم النفس "وليم جيمس"
يبرر هذا العالم قوله السابق لأننا نستخدم جزء يسير جداً
من موارد ذاتنا الطبيعية ، ولأن نعيش خائفين محتمين فى نطاق ضيق محدود نصطنعه
داخلياً ، ويفسر "وليم جيمس" ذلك بأننا نمتلك قوى مختلفة الأنواع ،
ولكننا نخفق بحكم العادة فى إستخدامها .
ذلك هو الخوف
الذى يُزع فينا منذ الصغر من المخاطرة أو المجهول ، فالطفل منذ اليوم الأول
لميلاده ، يبدأ فى ممارسة حريته بعد هذا (الإفراج) من محدودية السجن اللحمى الذى
كان بداخله والذى يُسمى (الولادة) ، ورغم إنها حرية قاصرة محدودة بإمكانيات عقلية
وجسدية ضعيفة إلا أنه يمارس حريته الأن وسرعان مايحاول تجريب بعض تلك الأمكانيات
الضئيلة .
فيجد أن حريته تزداد طردياً من الزمن ، فكلما زادت قدرته
على الحركة بحكم النمو زادت المساحة المتاحة لممارسة الحرية والتحرك بقدر
أكبر،ولكن مع ذلك زادت مساحة المُخاطرة .
فبعد الشهر الثالث – فى أغلب الحالات- لاتستطيع الأم
بمنتهى الإرياحية وضع رضيعها على طرف السرير لأنه الأن ببساطة يستطيع التحرك
والتقلب وبالتالى تزداد نسبة خطر السقوط .
فالمخاطرة تزداد كلما زادت الحرية أو الأمكانيات أو
القدرات والتى بالتالى تزيد من حرية الفرد مع الوقت ، وبوصول الطفل لمرحلة الزحف
التى يتمنى أن يراها الأباء بل ويحثوا الرضيع عليها ويتهللوا عندما يصل إليها
الكتكوت الصغير ، إلا إن هذا التهليل لايُطيل معهم ويتبدل بالقلق مع بدء مرحلة جذب
المفارش ودخول الحمام والمطبخ وراء والدته ، فالأن لابد من الترقب والملاحظة
القلقة لأن الأمر زاد خطورة بدلا من سقوطه من على الأشياء إلى سقوط الأشياء عليه .
وكذلك الإبداع يرتبط بشكل كبير بإتخاذ القرار ، وإتخاذ
القرار يرتبط بشكل مُباشر بالحرية وتلك الأخيرة كما أوضحت بالمقدمة السابقة
لاتنفصل عن المُخاطرة .
وعلى هذا فالإبداع يرتبط بصورة أو بأخرى بالمخاطرة ،
فنحن نجد إن المُعاناة التى يعيشها المُبدع خلال خطوات تنفيذ عمله الإبداعى تجعلنا
على يقين من إن المبدع من أكثر الناس ممارسة لحريته ،لأنه فى كل لحظة وكل خطوة هو
أمام إتخاذ قرار بل عدة قرارات متشابكة ، أما أن تكون سلبية وتتمثل فى عدم إحداث
أى تغيير أو تأثير أو حتى الأمتناع عن فعل معين ، أو تكون إيجابية بأن يحذف أو
يُضيف إلى عمله الإبداعى فهو أكثر من يفهمه جيداً وهو عمله ولديه كامل الحرية فيه ،
ولن يأتى من يعاتبه لما فعلت هذا ولما لم تفعل ذاك - ولذا فمن المُستحيل تقريبا أن
يُبدع الموظفين وخاصة داخل البلاد المُتخلفة – ولكن فى مقابل تلك الحُرية فعلى
المُبدع مواجهة التضحيات والتى قد تتمثل فى وقت مُهدر أو مجهود مُضنى أو علاقات
إجتماعية مفقودة أو فرص مستقبلية أو وظيفة مضمونة أو خسارة مادية كبيرة .
تلك مُخاطر ولكن أكثرها خطورة هو التضحية بجزء من العمل
الإبداعى كنوع من أنواع المرونة المطلوبة للمبدع فبحس المبدع وأستبصاره لموضوع
عمله الإبداعى من جميع جوانبه قد يجد أنه من الأفضل إبداعياً التضحية ببعض تلك
الأجزاء بل أحيانا بالعمل كله ، ويلقى خلف ظهره ماتم أهداره من تضحيات بالوقت
والمجهود والماديات ويبدأ ببساطة من جديد غير عابئ بكل هذا ، وهذا ماحدث مع الرسام
الشهير "مايكل أنجلو" عندما كان يرسم سقف كنيسة "الستين" أو"سيكستين"
(وبالإيطالية"سيستين": Cappella
Sistina) هي أكبر كنيسة موجودة
بالقصر الباباوي الذي يعتبر المقر الرسمي للبابا في مدينة الفاتيكان .
برسم لوحات غطت 12 ألف قدم مربع (1100 متر مربع) من سقف
الكنيسة، وقد استغرق هذا العمل السنوات بين 1508 و 1512.
ولقد أحس "مايكل آنجلو" بعدم الرضا عن عمله
بعد فترة ومجهود ، فهو قد بدأ الرسم مع عدة مساعدين في البداية ، وبعدها تخلى
مايكل انجلو عن المساعدين - من بينهم صديقه القديم (غراناتشي) – كان بالطبع ذلك
قرار صعب وخطير ، ولكنه فى النهاية أعاد الرسم كله بنفسه .
كما شعر "مايكل آنجلو" بالاستياء مفسراً ذلك لأحد
أصدقائه بأن ما قدمه من تضحيات ومخاطر أخذت فعليا من وقته وعمره ومجهوده قد خدم
البابا وحده ، واعطاه ما كان يحتاجه بشدة من العظمة والجلال ، وذهب هو بالمخاطر
والتضحيات .
وعلى الرغم من ذلك فإن ذلك السقف ، يعتبر في يومنا هذا
من أعظم إنجازات "مايكل آنجلو"، وخصوصا لوحته " الحكم الأخير"
The Last
Judement. لأن أى إبداع يُداخله
المخاطرة والتضحيات لابد وأن يظهر كآية فى الجمال والدقة والإبهار.
وهذا كذلك قد تراه متكرر كثيراً فى الإبداع الشطرنجى أو
الحركات المُبدعة التى سجلها تاريخ اللعبة للأساتذة الكبار .
كما نجد تلك المخاطرة على سبيل المثال فى لوحة
(الجيرنيكا) للرسام الأشهر "بيكاسو" فكل إضافة أو إزالة كان يمارسها
الفنان على اللوحة كانت تستلزم – حسب قول المتخصصين – من إجراء عدة إصلاحات أخرى
فى بعض العناصر بل إن النقطة الجديدة كانت توحى إلى المُبدع بسلسلة من القرارات أو
التأثيرات أو العمليات الجديدة تُظهر العمل للفنان من زاوية جديدة تماماً .
كما يذكُر
د."عبد الحليم محمود" فى كتابه (الأسرة وإبداع الأبناء) دار المعارف
القاهرة 1980
( إنه فى إحدى الدراسات لم يثبت وجود إرتباط وثيق بين
الإبداع والذكاء لدى عينة من المراهقين مرتفعى الذكاء ، إلا إن الدراسة ذاتها
أثبتت وجود علاقة وثيقة بين الإبداع والنزعة للتحرر والمخاطرة )
ومما سبق حاولت أن أوضح أنه ثمة علاقة مابين الإبداع
والحرية أو المخاطرة ولكن العمل وفق مُقتضيات المجال وإحتياجاته والتى يعمل المبدع
من خلالهما تضع المبدع خاضعا تحت تلك المقتضيات أو القواعد !
فهل هذا إنسياق أو إنصياع ، وإن كان الأمر كذلك فإين تلك
الحرية التى يتميز بها المبدع والتى يجب أن يمارسها للفكاك من مخالب المألوف
ولينزع نفسه من أنياب التقليد . وللإجابة عن تلك المُعضلة دراسة أخرى لى سوف تُنشر
فى القريب إن شاء الله .
-----------------------------------------------------------------
مع تحياتى ...
المخترع، والمدرب الدولى ، والفنان التشكيلى ، وخبير أكتشاف المواهب ، والمستشار التربوى ، والباحث الرياضياتى ، والباحث التربوى
صاحب العقلية الكونية .......
حسن حجازى للتواصل: hassansalah73@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
صاحب العقلية الكونية
حسن حجازى
hassansalah73@yahoo.com